آخــر الأخبــار :

    5:03
» » الشيخ عودة أبو تايه بقلم المفكر والمؤرخ الدكتور احمد عويدي العبادي


فرسان نيوز-

الشيخ عودة أبو تايه 1870 – 1927(أخو عليا)
(أمير البادية العربية، محرر الأردن، وفاتح العقبة)
بقلم المؤرخ المفكر د. احمد عويدي العبادي
يقول لورنس العرب: (ان عوده أفضل رجل في جزيرة العرب يمكن أن يكون إلى جانبك في معركة،)
 انه النبيل الفارس الشيخ عودة أبو تايه (أخو عليا) (زعيم الصحراء وسيد البيداء، وأمير البادية العربية، محرر الأردن وفاتح العقبة) ورث عراقة الدم والنبل والنسب كابرا عن كابر، وصنع المجد بعصامية قل نظيرها في العصر الحديث. رجل طبق صيته الافاق عبر الكرة الأرضية ولم يتحصل لاحد من الأردن سواء من الأردنيين او من الوافدين او الزوائد الدودية او الشراشب (مفردها شرشبة / شرشوبة) الانتدابية ما تحصل للمرحوم الشيخ عودة من سمعة ومجد عبر العالم والتاريخ.
     رجل يمثل امة ويمثل الانفة والعزة في قيم الأردنيين، فهو رجل في شعب وهو شعب في رجل. وأصبح زعيم قبيلة الحويطات في زمنه بدون منازع، وقاد المقاتلين من قبيلته والمقاتلين الأردنيين المشاركين ضمن الفيلق العربي لمحاربة الدولة العثمانية، وقاد المعارك حتى وصلت دمشق، وذلك بإشراف لورنس العرب في حينه. ويمكن اعتباره محرر الأردن من الهيمنة الأجنبية.
     وإذا كان الفارس الشيخ طراد بن زبن هو سيف الأردن على البغي وقطعان الاعتداء الضالة، فان عودة كان صقر الأردن الذي يحرس الأجواء، بل انه كان صقر بلاد الشام وشمال جزيرة العرب، ويمثل الانفة والعزة والكرامة الأردنية. انه زعيم من زعماء قبيلة الحويطات العربية الأردنية، ورثة الانباط من حيث المكان والجغرافيا والمشاعر، الانباط الذين كانوا صنعوا حضارة لا مثيل لها على وجه الأرض وهي البتراء، قبيلة كريمة الأصل شريفة الفعل تسكن في المنطقة الممتدة من وسط الأردن إلى شمال الحجاز جنوباً وعلى سواحل البحر الأحمر الى ينبع الى تخوم الحجاز، ومن صحراء النفود الكبير شرقاً إلى سيناء والسويس والشرقية المصرية غرباً((1)
ولسنا بصدد الحديث عن الانساب الخاصة بالقبيلة الكريمة العريقة العميقة وهم اخوالنا الحويطات، لأنه ليس هذا مكان الحديث عن النسب , وانما نتحدث عن التاريخ السياسي لزعيم وطني اردني حقق الكثير لبلده وأهله وهويته وشرعيته ووطنيته
       الشيخ عودة أبو تايه هو الأشبه بجلالة الملك الباني الحارث الرابع ملك المملكة الأردنية النبطية، حيث نجد تطابقا كاملا في سيرتهما وشخصيتهما وصفاتهما، وكأن عودة نسخة عن ذلك الملك الذي هو أعظم ملك باني في تاريخ الأردن الى يومنا هذا، مثلما هو عودة الفارس الحاني في ربوع الأردن
     فكل منهما يتسم بالعصامية حيث وصل الحارث الرابع الى العرش بمباركة الشعب الأردني النبطي، وهو ما يقابل الانتخاب والبيعة الشعبية في مفهومنا المعاصر، وكان شجاعا مقداما كريما متواضعا وحصل على عدة القاب بجدارة، وهو لقب: (محب شعبه او خادم شعبه او راعي شعبه)، كذلك كان الشيخ عودة أبو تايه يفعل من الرعاية والخدمة والمحبة لقومه وسائر الأردنيين مالا يفعله الا الملوك الاصلاء وأبناء الملوك الاصلاء، لان الاصالة لا تنبع الا من الأصيل. مثلما النذالة لا تأتي الا من الانذال.
    وإذا كان الحارث الرابع يعتز بزوجتيه جلالة الملكة شقيلة وجلالة الملكة خالدة المعظمتين  وابنته الاميرة التي لم يصلنا اسمها والتي نتخيل او نفترض ان اسمها كان العلياء او الشماء , وهي  التي شن الحارث الباني حربا ضروسا ومنتصرا على  هيرود انتيباس (الذي لم  تنته فترة حكمه بهزيمته في المعركة بل تم نفيه مع عشيقته هيروديا على يد الرومان) , ( وهو  ابن هيرود الكبير) ودمر الحارث الرابع عرش  هيرود الابن لأنه   كسر خاطر ابنة الحارث وطلقها ، فان الشيخ عودة كان يعتز وينتخي بأخته الشيخة علياء عليهما رحمة الله، وكلاهما (بنت  الحارث وشقيقة عودة) كانت اميرة ذات شخصية صارخة وعفيفة وشريفة وكريمة وتتسم كل منهما بالجمال الأردني الذي هو من أجمل وأكمل صنوف جمال المرأة  .
     ومثلما حقق جلالة الملك الأردني النبطي الحارث الرابع من الفتوحات والهيبة للأردنيين ودفع عن المملكة الأردنية النبطية غوائل الزمن ومحاولات الإهانة والاحتلال لأنه ابن التراب الأردني ليس وافدا عليه ولا بائعا له (قراري وليس فراري)، فعل المرحوم الشيخ عودة في حماية الأردن من اعتداءات وصولات قبائل نجد بعامة والشرارات وشمر بخاصة رغم ان شمر كانوا اخواله. ويسجل للبطلين الاميرين الشيخ الفارس طراد بن زبن والأمير الفارس الشيخ عودة انهما حققا الحماية والرعاية للأردن ضد القبائل الغريبة عن الأردن الطامعة فيه، حيث حماها طراد من عنزة وحماها عودة من شمر والشرارات، وكلاهما غزا نجد وجزيرة الفرات وشاطئ الخليج العربي، ولم يقم أي منهما بالاعتداء او الغزو ضد اية عشيرة اردنية، بل ان علاقات الحويطات والصخور زمنهما كانتا سمنا على عسل. (2)
  ومثلما يحتاج الحديث عن الشيخ طراد بن زبن الى مجلات، كذلك يحتاج الحديث عن الشيخ عودة أبو تايه الى مجلدات، حيث تمتلئ كتب التاريخ الحديث وكتب الرحالة الأجانب والتقارير البريطانية السرية والوثائق العثمانية بالتقارير المطولة عن الشيخ عودة الذي ورث الشيخ طراد بن زبن في مدرسة الفروسية الأردنية، والحارث الرابع في هيبته وصرامته، ومثلما كان طراد بن زبن فارس الأردن وسيفه بلا منازع في زمنه، كان عودة فارس الأردن وسيفه وبندقيته بلا منازع في زمنه، ولم يقتسرا على بني صخر والحويطات.
طراد بن زبن وعودة أبو تايه هما فرسان النبلاء ونبلاء الفرسان، وامراء البيداء واسود الصحراء، وحماة الأردن عندما عز الحماة، وكماة الفرسان وسط غابة من الكماة، فكانوا شموس الفرسان واقمار العربان، أدركوا الانتماء الوطني ومعناه، وحاربوا العملاء والبغاة، فلم يقاتل أي منهم أحدا من الأردنيين الا في حالات الدفاع عن النفس ولغايات محدودة، لأنهم أدركوا خطر القبائل الخارجية على الأردن، وهذه ميزة امتازوا بها على غيرهم وكرسوا أنفسهم لها. .
     وشهدت اكبر واقوى قبيلتين اردنيتين آنذاك وهما الصخور والحويطات حالة من الوئام والمحبة والتالف الوطني والاجتماعي والسياسي ما شكل جبهة عصية على كل طامع , وعندما جاء الانتداب وادواته ومطاياه ويده الملوثة , كان همه الأول هو القضاء على اقوى قبيلتين اردنيتين هما الصخور والحويطات وسلخوا عن الحويطات أجزاء مهمة واتبعوها وديارها الى السعودية , واخرى وارضها الى مصر , وتم تسليط سائر الطرق والوسائل والاختراق والتفتيت وغسيل الادمغة على هاتين القبيلتين لان بقاءهما كما تركهما الشيخ طراد والشيخ عودة يعني استحالة وجود الغرباء بالأردن من حكام ومحكومين, واستحالة اختراق الأردن  واقتطاع ما يزيد عن  نصف مليون من أراضيه بجرة قلم واحدة اسمها اتفاقية الحداء
      وقد غزا الشيخ عودة في جيش الشيخ طراد وكان امتدادا لمدرسة الشيخ طراد وبالتالي فان تاريخ الرجلين يجب قراءته كوحدة واحدة ذات فصلين هما: الاول الذي يمثل طراد وبني صخر، والثاني الذي يمثل عودة والحويطات، وبعدها تم اقفال هذا الفصل للأسف الشديد حيث دخلت الصفقات السياسية والتبعية للغرباء، فصار حالنا الى ما نحن عليه من حال وصرنا كالأيتام على مئادب الغرباء واللئام، ونستمرئ التبعية لمن ليس بمستوانا أبا ولا جدا ولا تاريخا ولا سيفا ولا رمحا ولا لطفا ولا عنفا ولا قولا ولا فعلا. والخير في الأجيال الحالية والقادمة التي لن تقبل ما قبلناه وهي قادمة لا محالة ان شاء الله، لان التاريخ يعيد نفسه عندما يوجد من يسقي جذوره القديمة بماء الحياة والتغذية الخالية من التلوث والسفاهة، والحماية التي ترعى طفولته الجديدة الى ان يشب عن الطوق، وانني اراها واتمناها
  كان يستحيل ابرام اتفاقية الحدا في 2/11/1925 لو كان عودة أبو تايه على قيد الحياة، لذا حدث ما حدث معه في 22 تموز سنة 1924 م وهو يوم وفاته، أي قبل عام ونيف من توقيع الصفقة التي اضاعت على الأردن أكثر من 450 ألف كيلو متر مربع. تلك المساحة التي قاتل الشيخ طراد ومعه فرسان الزبن بخاصة وفرسان بني صخر بعامة، وقاتل الشيخ عودة ومعه فرسان التوايهة بخاصة والحويطات بعامة من اجل بقائها اردنية اصيلة ارضا واهلا وهوية وشرعية، فلقي طراد حتفه هناك في اطرافها واكنافها في البادية الشرقية الأردنية المتاخمة للربع الخالي، ودافع عنها عودة وحماها من القبائل المعتدية كلها، ولكنه لقي حتفه قبل ان يراها ممزقة مفصولة.
  من الواضح ان عودة كان يحمل في نفسه مشروعا وطنيا وهو إقامة امارة اردنية على الأجزاء الجنوبية من  الأرض الأردنية بحيث تشمل منطقة معان الممتدة حينها من جنوب الكرك (الطفيلة حاليا) الى تبوك جنوبا وشمال الحجاز, وساحل البحر الأحمر الى جنوب ينبع ( أي على القسم الجنوبي من الأردن في حينه ) , وانه   رأى ان الخطوة الأولى هي التخلص من الحكم التركي، والاضطهاد الطوراني، وانه لن يقبل باي احتلال مهما كانت صفته وهويته ووجهه، لان وجه الاحتلال قبيح ومنفر ومقزز مهما كان نوع الاحتلال , وانه كان يتعذر تحقيق التحرر والحرية بدون تحالفات مع قوى خارجية كما فعل الملك الحارث الرابع عندما تحالف مع روما لحماية نفسه وانهاء الدولة اليهودية واسرة هيرود الكبير ملك المملكة اليهودية في حينه ( رغم انه كان أصلا أدومي عربي اردني واعتنق اليهودية لغايات سياسية) .
هيرود الكبير وسلالته تولوا حكم المملكة اليهودية بعد الحشمونيين، حيث تأسست تلك المملكة في فلسطين في العصر الحديدي الاول تقريبا حوالي 918 ق.م. وحيث تعاقب على حكمها عدة ملوك منهم فيها شاؤول والنبيين داوود وسليمان عليهما السلام وذلك حسب ما ورد في العهد القديم والنصوص التاريخية المختلفة كالتي لدى جوزيفوس وغيره الكثير
   وكان عودة يريد ان يبدا بمشروعه بعد ان وضعت الحرب العالمية الأولى اوزارها , فأسس إدارة في معان لكي تحافظ على شمال جزيرة العرب من الضياع من الأردن , ووضع كل ما حصل عليه من أموال في خزينة الحكومة الجديدة ولم ينهبها ولم يأخذها لنفسه , حيث كان يجسد المبدأ القيادي وهو ان القائد الحقيقي هو افقر القوم ماديا واغناهم سماحة وشجاعة , وكذلك كان عودة أبو تايه رحمه الله, ولكن مشروعه هذا اصطدم بعنف وقوة مع المشروع الانتدابي ومشاريع الزوائد الدودية فالقي القبض عليه وتم سجنه في السلط حيث لقي الكرامة والاكرام من السلطية( عشائر السلط )  وحيث اهدوه العبابيد فرسا اصيلا ليهرب على صهوتها من سجنه وكذلك كان , وعندما لم يتنازل عن مشروعه تم انهاء الأمر بطريقة أخرى وهي ان الزوائد الدودية السياسية رأت نهاية حياته بعملية الزائدة الدودية التي عانى منها حيث عاني من هذه الزوائد في جسده ووطنه , ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وفي كفاحه الوطني رافق الشيخ عودة كل من ابن عمه الشيخ زعل بن مطلق، ومحمد بن دحيلان.
 من هو عودة أبو تايه
هو عوده بن حرب بن صباح بن محمد بن فراج بن محمد بن فريج (جد عشيرة الفريجات) بن سلامه بن علوان بن حويط بن جماز. كان ميلاده في الموقع التاريخي المعروف وهو الجرباء حيث مواقع التحكيم بين سيدنا على المدعوم من اهل العراق، ومعاوية المدعوم من اهل الأردن، وهي الان في محافظة معان، وكان الابن الرابع بين خمسة أشقاء وشقيقة واحده هي (علياء) التي اشتهر بنخوته بها.
   كانت والدته تشتهر بشجاعتها وشخصيتها الصارخة، وهي شمرية ابنة الشيخ ابن رمال الشمري، (كان ابن رمال، شيخ عشيرة سنجاره من شمر ومن أكبر وأقوى شيوخ البدو في شمالي جزيرة العرب حينذاك)، وكنية عودة هي: أبو عناد حيث كان ولده عناد أحب الناس اليه وقد قتل امامه مما إثر فيه ايما تأثير. وتوفي الشيخ عودة في 22 تموز سنة 1924 م ودفن في جبل الجوفة بعمان ثم اختفى قبره. وقد حدث ما تنبأ به الكولونيل لورنس إذ قال "انه عندما يموت (عودة) فإن العصور الوسطى للصحراء تكون قد بلغت نهايتها".
ويذكر لورنس ان عدد زوجات الشيخ عودة بلغ 28 امرأة ـ ومنهم من يرفع العدد الى أربعين (40) زوجة، لا يجمع أكثر من أربعة في ان واحد حسب الشريعة الإسلامية، وكان يقصد من تعدد زوجاته الى إنجاب أكبر عدد ممكن من الأبناء. فضلا عن السبب السياسي، أن عودة كان يتزوج من بنات مشايخ البدو لكي يوطد صداقته وعلاقته بهم ويحصل على تأييدهم. ولم يولد له سوى ثلاثة أولاد وثلاث بنات. أما الأولاد فقد قتل أحدهم وهو (عناد) وتوفي الثاني وهو (الحميدي) وبقي الابن الأصغر وهو (محمد)، وقد جرى تمثيل شخصية الشيخ عوده في أفلام عالمية، كان بطلها الإيطالي الشهير أنتوني كوين في فيلم لورنس العرب.
وظل عودة يقاتل وهو يقود تحرير الاردن بكاملها وانتقل الى حوران وشارك في تحريرها وظل ممسكا بندقيته حتى رفعت الراية العربية في دمشق بدلا من الأتراك بدخول العرب الى دمشق ودحر الاتراك الى غير رجعة منظورة. ولكن سراق التاريخ يجعلونه جنديا في جيش من لم يحقق النصر الا على ظهور الاخرين. ان لصوص التاريخ قد نسبوا شجاعة وبراعة وانجازات وعبقريات عودة الى أنفسهم، ومع هذا فلا بد من منصف يقول الحقيقة ان هؤلاء اللصوص نكرات لا قيمة لهم ولم يحققوا إنجازا واحدا للأردن وأهله.

من أقوال عودة
    من خلال استعراض اقوال الأمير الشيخ عودة أبو تايه، فانك تجد نفسك امام شخصية عريقة كعراقة صخور البتراء الوردية، راسية كما جبال رم، شامخة كما جبال البلقاء وراس منيف في عجلون , ومتجذرة كما اخاديد جبال الشوبك والشراة والصخور الشرقية لحواف وادي عربة ، شخصية عميقة وصاحب فكر وطني قومي عروبي إسلامي، يعشق الأردن ويرفض ان يحكم البلاد الا اهل البلاد، ويرفض الانتقال من احتلال الى احتلال ومن اذلال الى اذلال، نتعامل مع شخصية هي مدرسة في الإباء والكبرياء والعفة والنقاء ووضوح الهدف والغاية, وهو متمم للشيخ طراد في مدرسته ونهجه وشجاعته وفروسيته وفراسته .
    كان رحمه الله صاحب عقيدة دينية إسلامية وسياسية ووطنية اردنية يؤمن بها ايمانا راسخا، حيث يقول: (في جسدي اثنان وعشرون جرحا، اعزها على الجروح الاخيرة، لأنها كانت من اجل عز العرب، ولن أبخل على امتي وقومي بما تبقى من سليم في جسدي – والله على ما اقول شهيد – الى يوم الدين).
    كما ان عودة خاطب لورنس العرب بقوله له بعد تحرير العقبة: (ان ما يأتيني من الخدمة (أي من المال) ما هو الا خدمة لأمتي (أي يستخدمه لخدمة الامة وتوزيعه على الناس ولا يكنزه لنفسه) … وآمل، بل ارى من الواجب، ان كل عربي بدويا كان ام حضريا، عليه ان يحذو حذوي في خدمة امته ووطنه). وبذلك استطاع الشيخ عودة ان يوائم بين العقيدة والسلوك، بين المبادئ والواقع، بين الاخلاق والمصالح، بين المأمول والمعقول، بين ما يتمناه وما يلقاه، وان يوفق بين طرفي التناقض والصراع، بالارتقاء الى مستوى القيم الخلقية، والمثل الأردنية العليا النقية.
   كان الشيخ الأمير عودة يعتز بهويته الأردنية والبدوية والعربية، ويرى في القبيلة البدوية الأردنية انتماء للعروبة وعصمة من الضياع. وعندما سأله أحد الضباط الاتراك (لماذا تقاتلنا ونحن الذين خيرناك ان تكون زعيما على الصحراء وعلى منطقة الشراة وشمال الجزيرة العربية) اجابه أخو عليا (العروبة جذورنا واصولنا التي يجب ان نحافظ عليها ونمنع من يحاول اقتلاعها او اقتلاعنا).
     وسبق للشيخ عودة ان قال مثل هذا الكلام لرسل الاتراك الذين عرضوا عليه المناصب العالية والاموال الطائلة مقابل فك ارتباطه بالفكر القومي ومشاريع الثورة القومية المناهضة للأتراك ,  فقال لهم (انني اساهم في الثورة لا طمعا بمال او جاه وانما بدافع ايماني بقوميتي العربية وحق امتي في الحرية والوحدة والحياة الكريمة) وهي المبادئ التي سرقها لصوص التاريخ وادعوها لأنفسهم , ولكنهم فشلوا لان عملهم يقصر دون تحقيق هذه المبادئ التي اوجدها ونادى بها عودة أبو تايه ومن قبله الشيخ طراد بن زبن ,  وادعاها اخرون ووضعوها شعارات لهم فكان مصيرها  ومصيرهم الى هاوية الضلال والاعتلال والانحلال .
    لقد أرسل القائد التركي جمال باشا السفاح رسالة الى الشيخ عودة يطلب منه ان يظهر طاعته للأتراك مع الوعد بان يجعله (ممتازا بين مشايخ العرب والعشائر إذا ما قام عودة بإلقاء القبض على أحد الثوار وذكره بالاسم) فأجابه أخو عليا (ان قتال الاتراك أصبح واجبا وطنيا وان عليكم ان تجلوا عن بلاد العرب).
    يقول لورنس في وصفه " أن عوده يشبه (القيصر) من حيث أقامته في منطقة مفتوحة بها حلقه عظيمة من الأعداء. وقد أرسل الشيخ عودة إلى متصرف الكرك رسالة عنيفة جاء فيها: (من عوده أبو تايه إلى متصرف الكرك. (بعد السلام، أنذرك بلزوم مغادرة بلاد العرب قبل نهاية شهر رمضان. البلاد بلادنا ونريد أن يحكمها أهلها. إذا لم تغادر البلاد فأني سأعتبرك عاصيا، وسأهجم عليك حتى يقضي الله بيننا).
    ومن الواضح انه رجل يدرك أهمية الحكم وان البلاد بدون حكم وحكام وحكومة لا يمكن لها ان تستقر وتستمر، انها الفطرة الأردنية البدوية النقية التي اتصف بها الشيخ عودة وهو يتحدث عن حكم البلاد وانه لا يجوز استيراد الحكما وانما ان يحكمها أهلها وليس سواهم
 ويقول لورنس: ان عوده أفضل رجل في جزيرة العرب يمكن أن يكون إلى جانبك في معركة، بل أنك تكون مقداما بعيد ألهمه إذا استطعت أن تجاريه طويلا. أنه فسيفساء ذات رونق كيشوتي، وعندما يموت فأن العصور الوسطى للصحراء تكون قد بلغت نهايتها)
     وله قصص طريفة تجسد عدم ثقة عودة بالغرباء , نختار منها حادثة واحدة كانت مع  الكابتن البريطاني  شكسبير« ممثل الحكومة البريطانية في الخليج العربي " ، الذي قام برحلة عام 1914م من الخليج العربي الى الاردن (عبر البوادي الاردنية ) الى مصر على ظهور الجمال، وكان برفقة مجموعة من فرسان عشيرة العقيلات  , وعندما وصل  شكسبير الى الجفر عاصمة الشيخ عودة , اقدم الشيخ عودة على احتجازه وعامله كجاسوس اخترق حرمة امارته، والعرف عند عودة كان اخذ الاذن والموافقة منه شخصيا ومسبقا لكل من يرغب بزيارة المنطقة المذكورة، او اجتيازها ,  وعندما اعتذر منه  شكسبير  قبل عودة عذره , وفي ذلك  يقول لورنس في كتابه : أعمدة الحكمة السبعة« ان الشيخ عودة ابو تايه »طيب خاطر شكسبير، واعتذر له عن احتجازه، وقام بتكريمه، ثم سمح له بالسفر واعطاه نياقا توصله الى العقبة، وارسل معه بعض رجاله لحمايته .
ماذا قالوا في عودة أبو تايه
    سجلت لنا اليوميات والكتب والتقارير البريطانية والعثمانية والاستخباراتية , اقوال وتقييمات كثيرة بحق الشيخ عودة صدرت من رحالة وسياسيين وقادة عسكريين وأجهزة المخابرات البريطانية , منهم الأعداء ومنهم الأصدقاء وكلهم اتفقوا على سمو اخلاقه وطيب شيمه وشمائله , وابائه وانفته ووطنيته وكرهه للغرباء ورفضه ان يحكم بلده أي غريب , وهو يساوي بين الاحتلال لبلده مهما كان نوع الاحتلال , سواء اكان احتلالا من عربي او تركي او انجليزي او صهيوني وهم جميعا عنده في دائرة واحدة , لان الاحتلال عنده وعند كل وطني هو الاحتلال والوطن هو الوطن , وبذلك تفوق على أصحاب النظريات والذين اشبعونا كلاما ولم نجد منهم ولو عملا  واحدا لصالح الأردن والاردنيين .
   وصفه لورنس في كتابه أعمدة الحكمة السبعة بقوله: يذكر عن صفاته الشخصية ما قاله لورنس العرب: (منتصب كالرمح، ضامر البدن، قوي، خفيف الحركة، جبهته عريضة واطئة وأنف حاد مرتفع أقنى. كريم لا يجارى حتى الحق به كرمه الفقر. عرف عنه كرمه وكان يستقبل الناس في بيت الشعر خاصته الضخم والذي ينتصب بطول سبعة أعمدة، أو كما يقال في مصطلح البادية بيت "مسوبع: (أي مبني على سبعة أعمدة).
 ، اما عن الحويطات فقد ذكرهم جون لويس بيركهارت الذي زار الأردن عام 1812، وذكر ان منازل الحويطات كانت: في جبال الشراة حول قرى (ضانا والبصيرة والطفيلة) وقد شيدوا ابراجا عديدة حول هذه الاماكن، انتهوا من بناء احداها = برج الطفيلة حوالي عام 1800م، وان علاقتهم مع مصر كانت امتن من علاقتهم مع بقية البلاد العربية!!
 اما المؤرخ العربي انطونيوس فقال عن الشيخ الأمير عودة أبو تايه، واصفا إياه في كتابه: يقظة العرب بقوله: (لم يكن عودة ابو تايه قائد قبيلة محاربة باسلة وحسب، بل كان ايضا كما وصفه الواصفون، قبيلة في رجل، مقدما في خيمة التشاور مثلما هو مقدم في ميدان القتال. وقلما كان يأنس الى المشورة، وقد دلت حياته المفعمة بالمخاطر والمغامرات انه كان في غنى عنها. اما في مظهره فإنه كان يذكر النظر بالنسر، انف أقنى كأن قوسه ربع دائرة، ورأس مائل الى الخلف، وعينان كبيرتان ناعستان، ونظرة على المدى البعيد يرسلها في خيلاء).
اما العماد اول مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري سابقا زمن حكم البعثيين، فقد أشاد بذكاء وعبقرية ودهاء الشيخ عودة أبو تايه بتخطيطه لمعارك تحرير العقبة واعتبر الخطة العسكرية التي رسمها لتحرير المدينة الاستراتيجية من انجح الخطط العسكرية.
  ويطول الحديث عن صقر الصحراء العربية، الشيخ عودة، ولو قمنا بتعداد صفاته لاحتجنا الى مجلد ضخم وهذه مهمة على احفاده ان يقوموا بها، نذكر بعضها، ونوجز بالحديث عن صفة الكرم. ومن اهم صفاته: الشدة والقسوة عند اللزوم، وقال في شدته وقسوته مع الاعداء الرحالة التشيكي (لويس موزيل في كتابه شمال الحجاز) الشيء الكثير، وبالغ في بعضها. وان عودة كان ملتزما بالتقاليد البدوية السائدة.
      كما تحدث أيضا في هذا الجانب عن شخصيته المطران (بولس سلمان) في كتابه (خمسة اعوام في شرقي الاردن). وطبائعه واخلاقه، ومنها اجارة الملهوف ونجدة المستغيث، (وكان أكثر العارفين بهذه الميزة، هو الشيخ غضبان الرحال، شيخ عشيرة (سنجارة) من قبيلة شمر.) والكرم وغنى النفس. عرف بالكرم وبغنى النفس والمال، ووصفوا كرمه بكرم العربي حاتم الطائي، ويتجلى الكرم وغنى النفس عنده عندما يقترن بالتسامح والعفو عند المقدرة، ويكرم من يحاول تجاوزه والظن به قبل التعرف عليه
وروى الكاتب الصحفي الاميركي (لويل توماس) روايات كثيرة عن كرم عودة وقال في واحدة منها: ان (25) رجلا يستطيعون ان يصطفوا دفعة واحدة حول منسف عودة، والكرم عند عودة ليس في تقديم الطعام لضيوفه فحسب، بل كان يجود بكل شيء يشعر بأن الطرف الاخر بحاجة اليه وقارن (توماس) كرم عودة بكرم الانجليزي (بروبن هود) وقال: (لم أجد كرما مثل كرم الشيخ عودة الا عند الانجليزي بروبن).
ووصفه الشاعر والمفكر العربي خير الدين الزركلي (في كتابه (الاعلام) بأن عودة كان كريما حتى تجاوز حد السخاء. وقال عنه عبد الفتاح اليافي في كتابه مذكرات قائد عربي (ان عودة اتصف بكرم نادر المثال) وقال لورنس: (وهو كريم لا يجارى، حتى ألحق به كرمه الفقر.)
لم يكن الشيخ عودة راضيا عن نهاية ما سمي في حينه الثورة العربية التي قطفت ثمارها بريطانيا وفرنسا ومطاياهم، بعد أن قسمتا بلاد العرب، بل حتى إن إنشاء الدولة الانتدابية بالأردن لم يكن بالمستوى والطريقة والنهج الذي كان عودة يصبو إليه، اذ إذ أن التقسيمات الجديدة اصابت عودة في مقتل وطنيا وعشائريا، ومزقت الثقل العشائري والسياسي للحويطات في المنطقة، فصاروا يتبعون لثلاث دول متنافرة متناحرة هي الإدارة بالأردن والسعودية ومصر.
    فبينما لم يكن قبل التقسيم الجديد يجرؤ أي شخص من العبور او المرور من فلسطين الى مصر والحجاز إلا ومعه كتاب من شيخ الحويطات مما يسمح بعبوره، الا ان المهمة الجديدة صارت تابعة للإدارة الانتدابية بالأردن، وإذا كانت الحالة الأولى تبرهن على مدى ما كانت تتمتع به قبيلة الحويطات من نفوذ وقوة وسعة ديارهم قبل انحسار الاتراك، فان الترتيبات الجديدة تبرهن على مدى اختطاف دور العشيرة ليصبح بأيدي الغرباء وما يسمى الإدارة الجديدة. وبالتالي رأى الشيخ عودة ان بلده الأردن أصبح ممزقا مقسما، وقبيلته ممزقة مقسمة، وبالتالي صاروا ضحية مؤامرة جعلته ربما يندم على ما فعله من وضع يده بأيدي الحلفاء واتباعهم، وانه كان أفضل له لو قبل العرض التركي ان يكون اميرا على البادية الأردنية وشمال جزيرة العرب في ظل دولة الخلافة الاسلامية، من ان يكون على الهامش في ظل إدارة الغرباء التابعة للانتداب البريطاني.
   وقال القائد جعفر العسكري (رئيس وزراء العراق في عهد الملك فيصل) في شجاعة عودة (كان دائما في مقدمة الرجال حين الهجوم على اعدائه. فلولا بسالته وتضحيته هو واولاد عمه (بقصد فرسان الحويطات) لما تمكن الشريف ناصر من الاستيلاء على العقبة وعلى النقاط الامنية بين العقبة ومعان). –
   ونورد فيما يلي ما كتبه لويال توماس دليلا على كرم عوده أبو تايه " أن 25 رجلا يستطيعون أن يصطفوا دفعه واحدة حول منسف عوده". وذكر لويال توماس لعوده ذات يوم أن بلاده تخلو من الإبل. فأجابه بأنه يقدم له عشرين ناقة من نياقه العمانية البيضاء. واضطر لورنس عندئذ إلى استعمال أساليبه البلاغية كلها حتى استطاع أن يقنع عوده باستحالة قبول هذه الهدية.
ويقول الشيخ غضبان بن رمال من شمر أمير قبيلة الرمال يمدح الشيخ عوده أبو تايه في قصيده منها هذه الابيات:
قله نزلنا في نظيف السهالي ........ ومسفارنا بين الحسا والعراقيب
عند أخو عليــا بعيد المدالي ........ حماي بالقوات حرش العراقيب
شيخ الشيوخ اللي بقرن الشمالي ... مجوز العزبان هو موقع الطيب
 فلما قامت الحرب العالمية الأولى ودخل الانجليز على الخط، وجد عوده أن الفرصة سانحه لتحرير أبناء بلده الأردن، وابناء أمته العربية من الاستبداد التركي إلى الأبد. يقول لورنس في هذا الصدد " لعلعت نار الشهوة في نفس عوده لاكتساب فضل أولوية تحرير العرب المستعبدين".

  عودة أبو تايه القاضي العشائري  
     ومما يذكره الارشمندريت بولس سلمان أن الشيخ عودة أبو تايه اشتهر أيضا بأنه قاض عشائري ثاقب النظر، ذكي الفؤاد، ويورد القصة الآتية:
    «اختلف شخص من الشرارات مع شخص من بني صخر، فرفع الشراري دعواه إلى قاضي الصخور فواز بن فايز فحكم على الشراري، ثم استأنف حكمه إلى قاضي الشرارات كاسب اللحاوي وقاضي الغنيمات سالم أبو الغنم، وقدم إلى كل منهم رزقة بعير عظيم، وحكم الجميع عليه.
     فأستأنف الشراري دعواه في المرة الرابعة إلى عودة أبو تايه أمير الحويطات فأخذ عودة كل واحد منهم على حدة، واستقرهما (أي حقق معهما) على المكان الذي حدث فيه الخلاف، فزور الصخري حكاية ملفقة، وذكر الشراري حكايته. فأرسل عودة رسلا إلى المكانين اللذين وصفاهما فظهر مكر الصخري، فأمر عودة بضربه أمام الجميع، ورد إلى الشراري حقه مضاعفا».
     وذكرت الرحالة الإنجليزية (جرترود بل)، بأنها زارت عودة أبو تايه العام 1913 ـ أثناء تجوالها في سورية ـ وقد أثنت على استقباله الطيب لها. وقد تعرف الرحالة التشيكي (الويس موزيل) على عودة أبو تايه أثناء رحلته التي قام بها إلى شمال الحجاز العام 1910 وبالغ في وصفه بالعنف الذي لا يتفق مع اخلاق عودة ولا مع اخلاق الأردنيين من الانتقام من الخصوم
    ومما يؤثر عن الشيخ عودة أنه كان يمنع دخول رجاله إلى القرى ونهبها، بل كان من عادته أن يعسكر برجاله خارج القرية ويبعث في طلب زعيم تلك القرية ويطلب إليه توفير ما يحتاج إليه جنوده مجانا من مؤن وغيرها، وهي اقل ضررا واذى من دخول الرجال إلى القرية ونهبها وتدميرها.
     إن البدو الأردنيين عموما لم يؤثر عنهم حصول حوادث التمثيل بقتلاهم، مما ينسف رواية موزل من أساسها بهذا الصدد، وإن كانت هناك بعض الحوادث الفردية النادرة من هذا النوع، والتي لا تصلح أن تكون مقياسا ولا نبراسا في هذا المجال. كما أن هناك قواعد عرفية اردنية تحكم العلاقات بين العشائر الأردنية، في حالي السلم والحرب.
      وبموجب هذه الأعراف الأردنية العربية الإسلامية المتجذرة فإنه ليست هناك من وصمة عار يمكن أن يوصم بها الأردني سواء البدوي او غير البدوي أبشع من وصمة عار بقتله امرأة أو طفل أو أعزلا. وان ما ذكره لورنس واصفا الشعور الإنساني عند عودة أبو تايه نحو الأسرى الأتراك بعد فتح العقبة، لبرهان على عدم صحة مقولة موزيل ان الشيخ عودة كان يشرب من دماء اعدائه ويلوك اكبادهم، إذ يقول لورنس «إن عودة إنسان رحيم، وقد شعر بالعطف وتأثر أمام هذا العدو المغلوب (جنود الاتراك) المعرض للقتل او العفو بحسب دوافع الزمن. على رغم أنه كان بالأمس تحت رحمة هذا العدو وبين مخالبه».
وكان عوده أبو تايه جريئا، ومن دلائل جرأته أن قائد إحدى الطائرات الإنجليزي حمله ذات يوم في طائرته، ولشد ما كانت دهشته بالغة عندما أخذ عوده يحضه على التصعيد في الجو أكثر فأكثر، بدلا من أن يبدي تخوفه من تلك التجربة الأولي في حياته.
الشيخ عودة: شجاعة ام تهور؟
علنا نجد الجواب الشافي على هذا السؤال عند لورنس في قوله: -أن عوده كمحارب كان خبيرا لا يجازف حتى في ثورة جنونه، بل يدرس الخطط قبل التنفيذ بكل دقه وتأن. ويحسب حساب المحتملات والمفاجآت ويصبر عند العمل صبر الجمال".
ووصف الارشمندريت بولس سلمان بقوله: -عوده أقوى زعماء الحويطات، أغناهم، وأوسعهم ملكا، وعدد رجاله 7 آلاف والمسلحون 4 آلاف ولهم سطوة ودولة".
ووصفه أمير اللواء محمد علي العجلوني بقوله: -"أبو تايه يجمع إلى بطولته في الحرب -الدهاء وحصافة الرأي ويلم بسائر الاتجاهات العشائرية، مع صدق في عزيمته واخلاص عروبته"
ويصفه الدكتور عبد الرحمن شهبندر بقوله: -” وقد كان قص على (أي على د الشهبندر) المجاهدون القصص العجيبة عن أعماله وبطولته، واجمعوا على أنه اشتهر في قومه بالتوفيق او حسن الطالع حتى قالوا إنه على قلته في المال والرجال ما غزا قط ألا وعاد يتعثر بأثواب الكسب".
وعندما توفي عوده أبو تايه رثاه وأبنه (بتشديد الباء / من التأبين) محمد الشريقي في جريدة (الشرق العربي) بقوله: -" كان شجاعا في القول والعمل، واسع العينين، حاد النظر، وكان نموذجا للبطولة العربية الفطرية، وكثيرا ما استنكر الغزو، غير أنه كان يقول: أن عوده لا يذل … أنه زعيم الحويطات وفاتح العقبة، وصاحب الشهرة الواسعة في بادية الشام والعراق".
وقد يكون أول من كتب عن عوده أبو تايه   -شاب من بيت لحم يسمى حبيب حنا زبلح وكان قد أقام فتره في مؤته الكرك في أوائل القرن العشرين، وهو يذكر أن عوده أبو تايه أشهر فرسان العرب، وأنه (أي عودة) ابتاع منه (أي من حنا) في مؤته حمولة مائة بعير من الشعير، وكانت ترافقه أخته عليا، ووصفها بأنها سيدة حسناء، مهيبة الطلعة، ذات رزانة وتعقل، وكان التوايهة ينتخون باسمها ويلقبونها (النشمية).
ويذكر الارشمندريت بولس سلمان بأن عوده أبو تايه كان يطرب لسماع الشعر البدوي الجيد ويستضيف الشعراء " ويأمر لهم بالجوائز السنية والانعامات الجزيلة. وكان له سوق للشعر مكون من مضرب كبير مفروش بالأثاث الثمين يتقاطر أليه الشعراء وينشدون الأشعار، وما جاء منها يسطر في قلوب الحاضرين.
    ومن أشهر الشعراء الذين نظموا القصائد المطولة في مدح عوده أبو تايه شاعر يدعى (ابي الكباير). واليك بضع أبيات مما نظمه هذا الشاعر بمناسبة انتصار عوده أبو تايه على عرب الصخور عام 1909 في معركة الطور المشهورة:
صار الصياح والقلب وشب بالقلب نارا   الطرش جاض وشهدن العذارى
ذاب الرجال والقلب حارا   النفس للأنسأن كنوز ثمينات
صاحوا وصحنا وتنبه ذكر عوده ~~ روّح كمسيل قوي مدوده
اكم قرم من هواته يقوده
وروى الكاتب الصحفي الاميركي» لويل توماس «روايات كثيرة عن كرم عودة ومنها قول توماس: ان الكرم عند عودة ليس في تقديم الطعام لضيوفه فحسب، بل كان يجود بكل شيء يشعر بأن الطرف الاخر بحاجة اليه.
ووصفه الشاعر والمفكر خير الدين الزركلي في كتابه» الاعلام «بأنه كان كريما حتى تجاوز حد السخاء. وقال عنه عبد الفتاح اليافي في كتابه مذكرات قائد عربي ان عودة اتصف بكرم نادر المثال، وقال لورنس: وهو كريم لا يجارى، حتى ألحق به كرمه الفقر (كما ذكرنا أعلاه).
صراعه مع القبائل الأخرى والأتراك
لم يكن الشيخ عودة أبو تايه ضد الخلافة الإسلامية ولا ضد الدولة في البداية، وانما ضد الاضطهاد والظلم والضرائب واحتلال الأردن، وضد الإهانة التي كانت سائدة زمن الطورانيين الصهاينة الذين تسللوا الى الحكم في الدولة العثمانية فدعوا الى تمزيق الدولة وتمزيق الامة ولا زلنا ندفع ثمن تلك التصرفات والإجراءات الطورانية المتصهينة المبرمجة
وهنا يقول فريدريك في كتابه: وقد افتتح عودة عهده بشن الغارات على الشرارات، وكسب كثيرا من الغنائم منهم. وسرعان ما أعاد الشرارات الغارة على الحويطات، وطوّقوا مضاربهم لمدة 17 يوما، وأخيرا تمكن عودة من فك الطوق ودحرهم، والانتصار عليهم في موقعة حامية الوطيس، سقط فيها نحوا من 300 قتيل من الطرفين.
    حدث أن الشيخ غضبان بن رمال الشمري فقد مركز الشيخة في عشيرته وطرد منها، وأخذ يتجول بين القبائل مستنجدا بها لاسترجاع مركزه ومشيخته فلم ينجده أحد، وأخيرا وفد إلى الشيخ عودة أبو تايه، واستنجد به فأنجده، وأغار على شمر، وأرغمهم على أن يعيدوا شيخهم إلى منصبه، ثم تزوج غضبان ابنة عودة ليظل محتفظا بصداقته، وبذلك اشتهر أمر عودة، وذاع صيته في جزيرة العرب.
    قام النزاع ثانية بين الحكومة التركية والحويطات لأنها طلبت إليهم جباية الضرائب منهم لسنتين سلفا وأرسلت جنودها لجمعها. ولما أبى الشيخ عودة الدفع رماه جنديان بالرصاص فأخطآه، فأمسكهما، وقتلهما. وبعد هذه الحادثة صار عودة مطلوبا للدولة التركية، وكان يتجنب الاصطدام مع الحكومة التركية ومناوئتها، بيد أن ذلك لم يمنعه من القيام ببعض غزوات حالفه فيها الحظ واشتهر في جميعها، وذهبت شجاعته بعدها مضرب الأمثال. يحكى أنه أغار مرة على جهات حلب ثم عطف صوب العراق فقطع الفرات غازيا، وبعد أن كسب غنائم جمة قفل راجعا إلى شرقي الأردن سالما.
  ومن القصص الطريفة أنه في يوم من الأيام ان التقى عوده أبو تايه بالشيخ كاسب اللحاوي الشرارات، وكانا ضيفان معا في بيت الشيخ النوري بن شعلان شيخ الرولة، فلما قدم لهما المنسف لتكريمها، قدم عليه سنام جزور، فالتفت عوده أبو تايه الى كاسب اللحاوي وقال له: ممازحا ومذكرا كاسب اللحاوي بمعركة وقعت بين الحويطات والشرارات انتصر فيها الحويطات على الشرارات، ويش هالزبير يا شيخ كاسب؟ فأجابه على الفور: كنها تليل صيفور ـ مكان دارت فيه معركة حامية الوطيس انتصر فيها الشرارات على الحويطات وحلفاء الحويطات _على ما يقال انتصارا كاسحا، فكان جواب الشيخ كاسب جوابا محكما مفحما وكانت حكمة الشيخ عودة ان لاذ بالصمت.
      وقد نشب نزاع بين عودة وجماعته فارتحل باتجاه شيخ مشايخ الرولة الشيخ ابن شعلان وصدف أن ابن شعلان غزا في ذلك الحين عربان ابن رشيد (شمر) في الجوف، فشد عودة أزره في الإيقاع بأعدائه، وبعد مساعدة عودة ابو تايه له، قام ابن شعلان برد الجميل، وساند الشيخ عودة، وساعده للعودة إلى شرق الأردن حيث دياره، وسانده في تذليل كل الصعوبات أمامه للعودة الى مركز الشيخة في الحويطات.
      وفي الحرب العالمية الأولى انضم عودة إلى الحلفاء نكاية بأعدائه الأتراك. وبعد الحرب جعل مركزه متنقلا بين معان، والجفر الى الشرق من معان، وقد شيد حصنا في كلا القريتين: أما حصن معان فقد هدم فيما بعد وشيد مكانه مخفر للشرطة ودائرة للبرق والبريد. وكان انضم وقبيلته إلى جيوش الحلفاء عام 1916م، وكان رأس حربة لقواتها، وقائدا لقبيلته التي أبلت بلاء حسنا في تلك المعارك، وأهمها تحرير العقبة، وتحرير الأردن وجنوب بلاد الشام، وهناك ذكر مفصل لبطولاته في كثير من الكتب التي غطت تلك المرحلة، وأعطت سردا مطولا حول حضور الشيخ عودة أبو تايه ومواقفه من كثير من القضايا آنذاك. ويجب ان نعترف للتاريخ ان عودة أبو تايه هو من حرر العقبة وحرر الأردن من الاتراك، وانه كان يحمل فكرا وطنيا نقيا ابيا عصيا على الغرباء والسفهاء والمحتلين، ولكن القوة تغلب الشجاعة عندما تكون القوة ضمن مؤامرات وترتيبات دولية تتجاوز المكان والانسان وقدرة الوطنيين على تحقيق الهدف الوطني.
دهاءه في الحروب
خاض العديد من المعارك والحروب، ففي أحد المعارك مع قبيلة شمر، اصيب الشيخ عودة بعيار ناري في ساقه وقتلت هجينه، فأحاط به الاعداء وعزلوه عن قومه وأسروه ولكنه تخلص من الاسر بحيله بارعه فقد طلب من آسريه ان يوفدوا عددا من رجالهم الى الحويطات لاسترداد إبلهم (أبل شمر) مقابل إطلاق سراحه. فلما وصل الوفد الى قبيلته ألقى الحويطات القبض عليهم ورفضوا إطلاق سراحهم الا إذا أطلقوا سراح الشيخ عوده بالمقابل، وهكذا نجا.
 ومن أشهر المعارك التي انتصر فيها معركة خنصر ومعركة الطور. وكذلك معركة حصلت بين الحويطات وبني صخر ومعركة ابو عمود مع قبيلة الشرارات. وكان الشيخ لا يتوانى عن تقديم العون والمساعدة لمن طلب منه ذلك، كمساعدته للشيخ غضبان بن رمال من شمر، وأمير عشيرة الأيمن من قبيلة عنزه زيد المرتعد وغيرهم الكثير.
غزوات عوده أبو تايه قبل قيام الثورة على الاتراك:
قام عودة أبو تايه بالعديد من الغزوات منذ توليه زعامة قبيلته وعمره عشرين عاما، حيث انتقلت الزعامة إلى عوده أبو تايه بالرغم من وجود أشقائه الأكبر سنا -وسرعان ما ذاع صيته بين القبائل ولمع اسمه في محافل البادية.
بل أن الخشية من غزواته الخاطفة لم تقتصر على البدو وانما امتدت إلى رجال الدولة العثمانية، وقد بدأ ذلك عندما حاول عدد من الجنود اعتقاله، بحجة أنه لم يدفع الضرائب المستحقة وكان هو يصر أنه دفعها. ولما أبى الامتثال رموه بالرصاص فأخطأوه، فرد عليهم ببندقيته فأردى اثنين منهم قتلى (كما ذكرنا أعلاه) وفر الباقون. ومنذ ذلك الحين أصبح لا يدخل اي مدينه للحكومة فيها حاميه جند اتراك، واعتبر الحكومة من جملة أعدائه الكثيرين الذين كانت تقاليد البادية تعطيه حرية غزوهم في أي مكان وزمان.
هذا بالإضافة إلى أنه أصبح ملجأ يحتمي به كل شخص محكوم بالسجن او لم يدفع الضرائب أو فرارا من التجنيد الإجباري. فكانت مضافته تزدحم بهؤلاء بشكل مستمر، وكنت تجد منهم الحضري والقروي والبدوي لا بل المسلم والمسيحي العربي والارمني والشركسي.
ولعل هذا هو ما حدا بالصحفي الأمريكي لويل توماس بأن يصفه بـ (روبن هود) الذي كان ملجأ للمظلومين من تعسف أمراء الإقطاع في تاريخ إنجلترا القديم.
الشيخ عودة ومهمة الاستقطاب والدعاية للثورة
بدأ الاستعداد النفسي والعسكري لمهمة الاستقطاب والاستطلاع والدعاية للثورة على الاتراك منذ اواخر شهر نيسان 1917 حيث خطط لها الشيخ عودة في معسكر الوجه (وكانت لا تزال جزءا من الأردن آنذاك وتقع على ساحل البحر الاحمر) لتكون الحملة الاولى في مسار الجيش الشمالي العربي (باتجاه الشمال). وفي اليوم التاسع من ايار غادرت الحملة من الوجه باتجاه الشمال الشرقي وعبرت خط سكة الحديد ثم عبرت سهل (الحول) ووادي (فجر) ومنه اتجهت الى (عرفجة) في وادي السرحان عبر سهل (البسيطة) الواسع ومنه اتجهت الى سهل العيساوية.
     ومن العيساوية انقسمت الحملة الى فريقين: -الفريق الاول بقيادة الشيخ عودة. - الفريق الثاني بقيادة الشريف ناصر ومعه لورنس ونسيب البكري وزكي الدروبي وكانت الخطة تقضي بتوجه الشيخ عودة الى مضارب الشيخ نوري الشعلان وولده الشيخ نواف.
 وبعد ايام قليلة التأم شمل الحملتين من جديد في وادي السرحان وتحركت الحملة من جديد من (عقيلة) الى جراجر -باير -الجفر -الغويلة -غدير الحاج -ابو اللسن -مريغة -وهيدة -نقب اشتر -القويرة -وادي اليتم -بير الخضراء -ثغر العقبة -معان. وهي الديار التي يعرفها الشيخ عودة أبو تايه جيدا.
     لقد حققت الحملة نجاحا باهرا واستقطبت مئات الفرسان من الحويطات للانضمام الى الشيخ عودة وجيشه، وهيأ عودة الظروف الملائمة لاجتياح المناطق المذكورة عسكريا، ونجحت الدعاية للثورة وفشلت الدعاية الالمانية والتركية التي كانت تزعم (ان المانيا جاءت لنصرة الاسلام وحماية الخلافة الاسلامية من اهل الكفر).
     ومن معان توجه الشيخ عودة وصحبه الى الوسط الاردني واطلع على الوضع العام في الزرقاء والمفرق والرمثا وكانت خطته ناجحة في كل المناطق الاردنية ومن الرمثا توجه الى درعا وقراها والى آلزوية وقراها ثم توجه الى جبل العرب واجتمع في قرى السويداء والقريات والشهباء مع زعماء ومشايخ العقل في جبل الدروز وانضم المئات الى صفوف الثورة ومن جبل العرب اتجه شمالا الى تدمر ثم عاد الى حمص ومنها توجه الى (تل كلخ) ثم عرج الى البقاع اللبناني وعاد الى غوطة دمشق ومنها الى (الردينة) ومنطقة اللجاة - صلخد - الازرق - النبك - وخاطب قائد الجيش الشمالي  واخبره عن نتائج هذه الحملة فقال له (ان هذه الحملة التي قام بها الشيخ عودة ابو تايه عجلت بانتصارنا ومهدت لنا الانطلاق باتجاه الشمال).
        وهكذا فقد خطط  عودة أبو تايه  واشترك في تحرير العقبة والطفيلة ومعان وبقية المدن الأردنية, بل وهو من حرر الأردن ووضع أسس تحرير سوريا من الاتراك , وان لورنس واتباعه انما كانوا يسيرون في حماية عودة وتخطيطه وتحت عباءته , فقد تفوق عليهم جميعا شجاعة وبراعة وذكاء وتخطيطا عسكريا ووضوحا في الأهداف , ومن هنا فإنني أرى ان الانجليز ومطاياهم استشعروا قوة عودة وخطورته وهدفه في إقامة امارة اردنية وطنية تمكن الأردنيين من ان يحكموا انفسهم , وقرروا التخلص منه منذ ذلك الحين , ولنهم اجلوا المؤامرة الى ما بعد انتهائه من  مهمته في طرد الاتراك وتحرير الاردن وبلاد الشام ,  فكانت نهايته رحمه الله  في تموز عام 1924 كما ذكرنا أعلاه .
    ومن هذه الزاوية إذا نظرنا الى عمليات الجيش الشمالي وخصوصا تحرير العقبة وجدنا البطل عودة ابو تايه يطبق وربما بالفطرة العربية الأردنية اهم مبادئ فن الحرب وخدعه (انما الحرب خدعة). ويضيف العماد طلاس بقوله (ولكي اوضح هذه النقطة بشكل أفضل سأعود بالقارئ قليلا الى تحرير العقبة والى الساعات الحاسمة التي سبقت دخول القوات العربية الى المدينة المحررة. كانت القوات العربية قد أنهكت (بضم الالف) بسلسلة المعارك التي شنها عودة ابو تايه على القوات العثمانية.
    وبعد ان حققت حملته عددا من النجاحات طلب رجاله الاستراحة ولو قليلا للتزود بالماء والطعام والذخيرة، لكن الشيخ عودة ابو تايه، هذا الفارس العربي الشجاع الفطن الذي يقدر اهمية الزمن في حسم المعركة رفض الاستجابة لطلبهم فأصم آذانه عن النداء وطلب إليهم ان يغذوا الخطى باتجاه العقبة دون ان يعطوا العدو دقيقة واحدة ليسترد انفاسه.
     وهكذا نجحت قوات عودة أبو تايه الأردنية العربية في احراز النصر ودخلت العقبة دخول الفاتحين. وعلى الرغم من حالة الجهد والاعياء التي دخلت فيها العقبة، فقد كان يشفع لها انها كانت تسوق امامها قطيعا من الاسرى يفوق عددها
استند الشيخ عودة أبو تايه إلى القوة التقليدية لقبيلته في منطقة جنوب الأردن وشمال الحجاز. حتى أنه كان يخاطب قادة أعداءه الاتراك بصيغة الأمر كما في الرسالة التي كتبها إلى الحاكم التركي في منطقة الكرك، جنوب الأردن وأشرنا اليها أعلاه.
 الشيخ عودة محرر الأردن من الاحتلال بلا منازع
لا أحد في الدنيا يستطيع انكار الدور البطولي للشيخ عودة ابو تايه وقبيلة الحويطات بكافة عشائرها في تحرير المدن الاردنية خلال فعاليات الجيش الشمالي، خارج الحجاز، فقد خطط واشترك في تحرير العقبة والطفيلة ومعان وبقية المدن الاردنية. والحديث عن مجرى العمليات العسكرية والانتصارات التي تحققت قد يطول الشرح بتفاصيلها.
وظل الشيخ عودة يقاتل حتى تحررت الاردن بكاملها وانتقل الى حوران وشارك في تحريرها وظل ممسكا بندقيته حتى رفعت الراية العربية في دمشق.
كان يطمح إلى التخلص من الاحتلال الذي كان الاتراك يمثلونه , وان يحكم العرب بعامة والاردنيون بخاصة انفسهم ,  كان قائدا ورأس حربة في قوات التحرير العربي الأردني ,  وقائدا لقبيلته بلا منازع التي أبلت بلاء حسنا في تلك المعارك ، وأهمها تحرير منطقة العقبة والأردن التاريخي وجنوب بلاد الشام , الشيء الذي قلما يعزى اليه والى قبيلته في كتب التاريخ., ولكن الأعداء انصفوه حيث اقاموا له تمثالا في متحف اللوفر الشهير بباريس .وعلى اية حال لم يكن محرر الأردن وسوريا الشيخ عودة أبو تايه راضيا عن نهاية ومئالات الثورة ضد الاتراك  التي قطفت ثمارها بريطانيا واذنابها , وفرنسا بعد ان قسما بلاد العرب واقتطعوا من الأردن اضعاف مساحاته لضمها الى دول مجاورة ,
كيف شرع عودة بالثورة ضد الاتراك
وردت برقيه إلى نسيب البكري في دمشق تاريخ 8/6/1916 يقول فيها "أرسلوا الفرس الشقراء" وهي إشارة ذات معنى بينهما. فساورت جمال باشا الشكوك فأمر بإلقاء القبض على نسيب البكري، ولكن نسيب البكري كان أسرع منه إذ لاذ إلى الهرب خارج دمشق يرافقه الشريف علي بن عريد وحوالي 50 شخصا من رجال فيصل في دمشق.
وكانت مضارب عوده في تلك الأثناء -في منطقته القريبة من دمشق تدعى (الشيخ سعد) فأستجار به نسيب ورفاقه، فأجارهم. وأرسل جمال باشا إلى عوده يطلب منه تسليمهم والا فأنه سيستعمل القوة. فأمر عوده كاتبه بأن يكتب الجواب على نفس الرسالة وكان جوابه:" من عوده أبو تايه إلى جمال باشا: طلب الباشا يفشل، ولو طلع بالكف ريش ما جاك دخيلي يقاد" اي أن طلبكم مرفوض ولو نبت الريش في يدك لما سلمتك من استجاروا بي . . .
    وبادر عوده إلى الرحيل باتجاه الصحراء. فسير جمال باشا وراءه قوه عسكرية، ولكن هذه القوة عادت أدراجها بعد أن عجزت عن التوغل في الصحراء. ولعل هذه الخدمة كانت باكورة خدمات الثورة ضد الاتراك، قبل أن تعلن البدء في 10 حزيران 1916 وقبل أن يتعرف عوده على فيصل لورنس.
      كان عوده أحد الزعماء العرب الذين هبوا للإسهام في الثورة ونزع النير التركي، بينما تقاعس الآخرون أو فضلوا الانتظار حتى تتبين الكفة الراجحة، لكن عوده لم يتردد مطلقا بل بادر في أوائل نيسان 1917 من مضاربه في وادي السرحان يغذ السير عبر الصحراء حتى بلغ   الوجه حيث شرع بتوجيه الجيش الشمالي المتجه الى الأردن وسوريا.
      وتتضح أهمية حضور عوده إلى الوجه من وصف لورنس لتلك الزيارة إذا يقول " في 17 فبراير ذلك التاريخ السعيد! قدم إلى الوجه زعل أبو تايه ابن أخ عوده ومن أكبر رجال حربه. وكان فيصل مبتهجا بقدومه ولكن كتم ذلك الابتهاج ولا غرو فهو السياسي المحنك. وفي خلوتنا مع زعل تحادثنا مليا واعدناه محملا بالهدايا ورسولا خاصا من فيصل ليقول لعوده: أن الشريف لا يهدأ له بال ألا إذا قدم إلى الوجه لحما ودما". وسبب هذا التلهف إلى لقاء عوده هو " لان عوده كان محاطا بهالة من الشهرة والنفوذ، ألا أننا لا نعرف شيئا عن قيمته الحربية".
    وفي أصيل (مساء) أحد الأيام هرول (سليمان) المنوط به أمر الضيوف ودخل خيمة فيصل وأسر في أذنه بكلمات، فأبرقت أسارير الشريف ومال إلى مجتهدا بأن يحافظ على رزانته المعتادة: عوده بالباب!! فما تمالكت أن صرخت عوده أبو تايه!!
ولكن ما هي أهمية قدوم عوده إلى الوجه؟
    يقول سليمان موسى " أن مجيء عوده فتح الباب على مصراعيه للعمل الحربي في سوريا، فالثورة بحاجة إلى قاعدة محليه تنطلق منها". وفي 9 أيار 1917 غادر عوده أبو تايه الوجه وبرفقتة كل من الشريف ناصر بن على والانجليزي لورنس. وقام عوده بحشد المقاتلين تمهيدا لفتح العقبة وقد تم ذلك في 6 تموز 1917. وبذلك حقق عوده بفتح العقبة ما عجز عنه الإنجليز الذين قصفوا العقبة بمدافع بوارجهم الحربية أكثر من مرة وأنزلوا الجنود فيها، ثم اضطروا للانسحاب تحت ضغط النار التي كان يصبها عليهم الأتراك من الجبال الوعرة المشرفة على الشاطئ. وقد أدى فتح العقبة إلى تغلغل العمليات العسكرية إلى قلب الجبهة التركية في منطقة كان الأتراك يعتبرونها امنع من عقاب الجو.
   وكان لهذا الانتصار إثر بالغ في نفس الجنرال اللنبي قائد الجيش البريطاني الزاحف من مصر إلى فلسطين. اذ أخذ هو وغيره من القادة البريطانيين ينظرون إلى ثورة عودة أبو تايه بمزيد من الجد والتقدير. وبدأ الإنجليز منذ فتح العقبة يزودون الثوار العرب الذين تمت سرقة جهودهم وشجاعتهم من قبل سراق التاريخ، أقول بدا الانجليز يمدون الثوار الأردنيين والوافدين بمقادير أفضل من الأسلحة والتموينيات. اذ أرسل اللنبي فور فتح العقبة باخرة موسوقة بالمؤن والعتاد.
     وقد سهل فتح العقبة للإنجليز حملتهم العسكرية، وفتح الشيخ عودة الطريق بتحرير ديار الحويطات من الاتراك حيث دارت معركة أبو اللسن والمخافر الواقعة في وادي اليتم حيث قتل فيها حوالي 600 جندي تركي، وأًسر 700 جندي آخر و43 ضابطا ولا يخفى ما لهذا العدد من القتلى والأسرى من قيمة معنوية ومادية للأتراك.
استولى العرب في العقبة على كميات كبيره من الأسلحة والعتاد استعملوها فيما بعد في معاركهم مع الأتراك.
   ولعل وصف لورنس لذلك النصر ما يدل على مدى أهميته التي كان كانوا يعلقونها على احتلال ذلك الثغر البحري" ودخلنا العقبة بعد خروجنا من الوجه بشهرين، فقد كانت العقبة محط آمالنا وافق أرواحنا شهورا عدديه. ولم يكن لنا هم ولا لذة إلا بذكر العقبة "
    ومنذ ذلك اليوم أصبحت العقبة قاعدة مهمة للعرب وحلفائهم. وقد حاول الأتراك أكثر من مرة استعادتها ولكنهم أخفقوا في ذلك بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلوها.وقد شكل عوده من رجاله حاميات تمركزت في المخافر والقلاع التركية التي تم الاستيلاء عليها، إلى أن وصل قائد الجيش الشمالي على البارد المبرد فانتقلت تلك الحاميات إلى أيدي الجيش النظامي العربي لكي يتفرغ رجال عوده للقتال. ".
ولكن من هو فاتح العقبة الحقيقي؟:
    وردت العبارة التالية للورنس" لقد أخذنا العقبة بفضل تخطيطي وجهودي أنا وحدي، ورأسي وأعصابي يدفعان الآن ثمن نجاحي". من هذا يبدوا جليا أن لورنس يدعي لنفسه الفضل في فتح العقبة. كما يدعيه لصوص التاريخ دائما فلورنس ومن معه من العرب الغرباء على الأردن كلهم من مدرسة لطش وسرق ونهب وسلب وادعى صناعة التاريخ وهو لم يصنع شيئا سوى الادعاء الكاذب الذي تم فرضه بقوة السلطة، وعلينا ان نعيد كتابه تاريخ الأردن الذي زوره وادعاه الغرباء والمحتلون واللصوص واما من يحب ان يمدح بما لم يفعل فقد قال الله سبحانه فيه :( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم (188) سورة ال عمران.
     ويجيب سليمان موسى على ذلك بقوله "مما يؤسف له أن لورنس اخذ يذيع في أوروبا بعد انتهاء الحرب أنه هو الذي وضع الخطط لفتح العقبة وقام بتنفيذها. وصدق الناس هناك هذه الأقوال. والحقيقة أنه الفضل في ذلك يعود إلى عوده أبو تايه فهو الذي قام بأعباء القتال ورمى بنفسه ورجاله في أتون المعارك."
     هناك كثير من الحجج والبراهين التي تجعل من الصعب بل من المستحيل تصديق ادعاء لورنس المذكور توا.   فمن يضع خطة عسكرية لا بد أن يكون على معرفة تامة بطبيعية الأرض التي سيسلكها والطرق المناسبة التي تخترقها ومصادر المياه والتموين. ولورنس لم يكن على علم بهذا كله بل كان عودة أبو تايه بها خبيرا.
     كما ان وضع خطة عسكرية بهذا الحجم والاهمية لا بد وأن يكون عسكريا محترفا. وهي الصفة التي تنقص لورنس باعترافه هو نفسه إلى كلايتون. فعندما طلب منه كلايتون أن يذهب إلى الحجاز ليعمل كضابط اتصال مع قوات الحجاز، حاول أن يتملص من المهمة قائلا " أنه ليس أهلا لمثل هذه المهمة، فضلا عن أنه ليس ضابطا محترفا، ولا يتقن فن الحرب". اما عودة فهو قائد عسكري بالفطرة والممارسة وهو الاجدر والاقدر على وضع هذه الخطط.
    كانت طبيعة الحرب التي خاضها عوده أبو تايه ضد الأتراك هي حرب من نوع " الحرب الشعبية". وما دام لورنس لا يتقن " الحرب النظامية " فمن باب أولى أنه لا يتقن "الحرب الشعبية".
   وأيضا , فانه ولكي يستطيع القائد العسكري أن يحقق النصر فلا بد أن يتمتع بثقة رجالة وهي صفة لاصقة بالشيخ عودة أبو تايه وليس بالإنجليزي لورنس ، فقد كان الرجال - وهم من البدو - يثقون بالقائد عودة  ولا يثقون بلورنس الإنجليزي الغريب , وبالتالي كيف يستطيع لورنس أن يحقق نصرا برجال يبادلونه مشاعر الاحتقار والعداء والتوجس, وبالتالي فان العقل والنقل والمنطق تبرهن كلعا على ان  الفضل في فتح العقبة يعود الى الشيخ عوده أبو تايه لأنه يعرف الأرض ومسالكها، ولأنه محارب خبير ، واخيرا لأنه يتمتع بثقة رجاله ومحبتهم, ولأنه رجل يريد تحرير بلاده من الاحتلال الأجنبي
   وليس معنى هذا أن لورنس كان غير ذي فائدة في تلك الحملة. بل على العكس فقد كان، بالإضافة إلى صبره على تحمل الشدائد والشجاعة في المعارك، خبيرا في المتفجرات. فأدى بذلك خدمة جلى للثوار بقيادة الشيخ عودة أبو تايه.
    حيث كانت هذه المتفجرات تعمل على عرقلة خطوط مواصلات الأتراك، وبالتالي تقطيع أوصال الجيش التركي، وعدم انتظام وصول المؤن والعتاد. كما أن في نسف القطارات والاستيلاء عليها بما فيها من أموال ومؤن وأسلحة من قبل المقاتلين، شكل حافزا لأولئك المقاتلين الأردنيين بقيادة الشيخ عودة على تشديد ضرباتهم على الأتراك ومواصلة القتال برغبة زائدة.
العمليات التي نفذها رجال الحويطات بقيادة عوده أبو تايه دون مشاركة من الجيش النظامي والقبائل الأخرى: -
فتح العقبة، وقد سبق ذكرها
الاستيلاء على محطة الغزالة بالقرب من درعا.
الاستيلاء على ابو اللسن، وهيدة، كثيره، الخضراء.
    القضاء على الفرقة الثانية التركية في موقع طفس، على إثر مقتل صديقة الشيخ طلال. ويصف لورنس تلك المعركة بقوله " استيقظ أسد القتال في نفس عوده ساعتئذ فأصبح بحكم القدر والفعل رئيسنا جميعا. وتمكن بمناورة بارعة أن يجر العدو إلى ارض رديئة ويقطع أوصاله إلى ثلاث قطع. تولينا أمر تلك القطع الواحدة بعد الأخرى وأفنيناها عن بكرة أبيها انتقاما لمذبحة طفس ولمقتل طلال أحد قادتنا الشجعان"
    في جبل " معين، كانت نهاية الجيش التركي الرابع على يد عوده ورجاله، وكأن ما بقي منهم حوالي 2000 جندي
العمليات التي اشترك في تنفيذها عوده أبو تايه ورجاله مع قوات فيصل والقبائل الأخرى: -
الاستيلاء على محطة " جرف الدراويش".
الاشتراك في الاستيلاء على محطة درعا.
الاشتراك في مجموع المعارك التي انتهت بدخول الجيوش العربية وفي مقدمتهم عودة ولورنس إلى دمشق في 1 تشرين الأول 1918. وفي هذا يقول قدري القلعجي " عوده أبو تايه هو أحد شجعان العرب وقد أبلى في هذه الواقعة وفي أكثر الوقائع التي خاضها الجيش العربي مع الجيش التركي، بلاء ليس بعده بلاء"
الاشتراك في الاستيلاء على حلب مع الجيش النظامي وقبائل ابن مهيد في 22 تشرين الأول 1918.
الآثار المعنوية التي نجمت عن انضمام عوده إلى الثورة العربية:
   كان الأثر الأول هو انضمام قبيلة الحويطات إلى الثورة العربية الكبرى عندما رأوا زعيمهم -عوده -ينضم أليها، لا سيما وأنهم كانوا يرون فيه " الرئيس العريق والمثال الأعلى" كما يقول لورنس. كما أرسل الرسل إلى الشيوخ المجاورين طالبا منهم الانضمام إلى الثورة.
   أما الأثر الثاني فقد تمثل في نجاح عوده في ضم النوري الشعلان وقبائله الكثيرة العديدة، الى الثورة على الاتراك، اعتمادا على صداقتهما، ورغبة من ابن شعلان في كسب مودة عوده. إذ ما كادت الحملة التي غادرت الوجه تصل إلى وادي السرحان حتى ذهب عودة شخصيا إلى النوري الشعلان " حاملا معه 6 آلاف دينار ذهبي كهدية وليتفاوض معه حبا وصداقة". وتظهر أهمية النوري الشعلان إذا علمنا أنه بقبائله الكثيرة العدد يسيطر على البادية الواقعة إلى الشرق من دمشق وحتى العراق. وكان لا بد للثورة من أن تضمن وقوفه إلى جانبها حتى تكون أمر دخول دمشق ممكنا.
    أما الأثر المعنوي الثالث فقد تجلى عندما هاجمت القوات العربية بلدة الطفيلة في 25 كانون الثاني 1918. فقد اتصل عوده أبو تايه بزعيم الطفيلة الشيخ ذياب العوران، وقد وعده هذا الأخير بالمساعدة حين وصول العرب إلى الطفيلة، وبالفعل فقد لعب ذلك الزعيم دورا رئيسيا في تسهيل الاستيلاء على الطفيلة. ذلك أن عوده وذياب العوران كانت تربطهم صداقة متينة. ولولا تلك المساعدة التي قدمها ذياب العوران إكراما لصديقه لكان من الصعب جدا أن يستولي العرب على الطفيلة نظرا لما تمتع به من موقع جغرافي حصين من ناحية، ولوجود قوات تركيه كبيره مزوده بالمدافع الجبلية والرشاشات من ناحية أخرى. وبفضل هذه الصداقة دخل العرب الطفيلة دون أي خسائر تذكر."
الدور الذي لعبة عوده أبو تايه في فترة ما بعد الثورة
"لاشك في أن عوده يأتي في الطليعة بين قادة الثورة العربية ومجاهديها ، أولئك الذين ظلوا ثلاثة أعوام في مواجهة الموت من اجل وحدة بلادهم واستقلالها، ثم كان جزاؤهم من حلفائهم جزاء سنمار".
“أن عوده اعظم مقاتل في شمال الجزيرة العربية، وأن كل من يحتك به يصبح بطلا، وبعقد أواصر الصداقة معه صار اكتساب القبائل بين العقبة والشام قاب قوسين أو أدنى".
وقد ثار الشعب الاردني على وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو واعطاء فلسطين وطنا لليهود، وكان اول احتجاج من الشيخ نواف الفايز زعيم بني صخر، حيث قدم احتجاجا باسم ثلاثين الفا من بني صخر، قدمه الى ضابط الارتباط الانجليزي في السلط، طالبا استقلال البلاد العربية. وتقدمت عشائر الطفيلة باحتجاج مماثل باسم خمسة الاف شخص ثاروا معترضين على تجزئة سورية وقدم اهالي الاردن احتجاجا الى الجنرال (بولز) المدير العام للأراضي التركية المحتلة بسبب فصل فلسطين عن سورية، وقع الاحتجاج الشيوخ: عوده ابو تايه وحمد بن جازي من الحويطات وغيث بن هداية من الحجايا وحسين الطراونة من عشائر الكرك وسالم ابو دميك من بني عطية وسليمان بن طريف وحمد بن حاتم من بني حميدة وسالم النسعة وحامد الشراري من معان.
وثار الاردنيون في شرقي الاردن واجتمعوا في بلدة (قم في شمال اربد) بزعامة الشيخ ناجي العزام وتقرر الثورة والهياج على اليهود والانجليز ومهاجمتهم في سمخ وبيسان، بما عرف بيوم سمخ في 1920 بقيادة الشيخ كايد المفلح العبيدات، واضطر العدو لمهاجمة الثوار بالطائرات فاستشهد عشرة من بينهم الشيخ كايد المفلح زعيم ناحية الكفارات وشيخ مشايخ العبيدات بعد ان تمكنوا من احتلال مرجعيون وهاجموا مستعمرة المطلة وتل حي والحراء وكفر جلعاد.
عوده أبو تايه بعد انتهاء الثورة بين اللجوء السياسي وصراع البقاء
   احتل الفرنسيون دمشق بعد هزيمة الجيش العربي السوري في معركة ميسلون، وطردوا الحكومة الجديدة، فأنقسم قادة الثورة إلى فريقين كل منهما له رأيه في معالجة الاحتلال الفرنسي: الأول رأى مواصلة النضال، والثاني رأي معالجة الأمر بالحكمة والمفاوضات السياسية، ولكن عوده ورفاقه لم يستكينوا لهذا الأمر واتخذوا عدة إجراءات هامة في سبيل مواصلة النضال، حيث رفض عوده ومن يشاركونه في الرأي أي مظهر من مظاهر السيادة الفرنسية.
    فعندما دخلت الجيوش الفرنسية دمشق قام قائمقام معان آنذاك ويدعى السيد عبد السلام كمال برفع علم فرنسا على دار الحكومة، فجاء عوده أبو تايه وأنزل العلم الفرنسي ورفع العلم العربي مكانه، وألقى القبض على القائمقام وزج به في السجن.
    وبعد تأسيس الإدارة الانتدابية بالأردن، اعتقل الفرنسيون المجاهد إبراهيم هنانو بواسطة القنصلية البريطانية في القدس في شهر آب 1921، فقاد عوده أبو تايه ومعه سعيد خير، وعدد من الزعماء الذين كانوا ما زالوا على عقيدتهم الوطنية المظاهرات الصاخبة في عمان احتجاجا على ذلك، وفي تلك المظاهرات أطلق المتظاهرون الرصاص على (فردريك بيك) قائد الجيش الأردني. ولكن القوة النظامية آنذاك من القلة بحيث لم تستطع الحكومة اتخاذ إجراءات فعالة ضد المتظاهرين.
    أما عوده فقد عاد إلى مضاربه في الجفر وقد اترك المقلب والمؤامرة عليه وعلى الأردن والعرب، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن نسي تلك الحادثة بمرور الزمن، دعته الإدارة الانتدابية بعمان للزيارة على جناح السرعة في شهر تشرين الأول 1922، وما كاد يصل إلى رئيس الإدارة الجديدة حتى ألقى القبض عليه وأودع في سجن السلط.
     وهناك قام رجالات السلط ( من سلطية وعبابيد وعدوان  ) باقتحام السجن بالقوة وأطلقوا سراح عوده,  وزوده العبابيد (قبيلة بني عباد) بفرس وبندقية وكوكبة من فرسان العبابيد رافقته بعيدا وطويلا لحمايته , الى ان طلب اليهم انه اصبح في انه في مأمن , وانه الان يانس بوحشة الصحراء على حقد اذناب الانتداب الغرباء, فاذا بفيافي  البادية الأردنية  اكثر امنا له  من اذناب الانتداب الذين كان له الدور الأكبر في تمهيد الأرض والطريق والمزاج والعقليات لتوطيدهم في البلاد وللقبول بالغريب الوافد , لأنه كان يحسب انهم جاءوا ليعبروا ويتركوا الأردن لأهله , فما سلم الأردن منهم ولا سلم اهله ولا هويته ولا شرعيته ولا جغرافيته , فكان الموت الزؤام في الوافدين الجدد وهو اول من ادرك ذلك وادرك المقلب وان ابتساماتهم  السابقة ليست الا السم الناقع في انياب الأفاعي والكلاب المسعورة , فلحقت به قوه عسكرية تابعة للإدارة الانتدابية قوامها 150 جنديا بقيادة اللواء محمد على العجلوني، ولم تدركه تلك القوة حيث كانت فرسه العبادية ورفاقه العبابيد أسرع من اليات الزوائد الدودية الانتدابية.
    وبقي عوده ممتنعا عن زيارة عمان خوفا من غدر الزوائد الدودية في الإدارة الانتدابية الجديدة، وتناهى خبر الخلاف هذا إلى ملك العراق وهو رفيق الشيخ عودة في الحرب العالمية الأولى، فاستدعى عوده أليه واقطعه مساحة كبيرة من الأرض الزراعية في العراق واستقر عوده هناك. ولكن زعماء الحويطات لم يرضوا عن هذا الوضع فانتدبوا وفدا ذهب لمقابلة عوده في العراق وأخبروه بأنهم إذا بقوا في ديارهم فسيفقدون زعيمهم "عوده" وإذا تبعوه إلى العراق فأنهم سيفقدون ديارهم وهويتهم ووطنهم الذي تجذروا فيه منذ الاف السنين وبنوا عليه حضارة عظيمة وهي البتراء، وهما أمران أحلاهما مر فرضخ الشيخ عودة أبو تايه لرغبة قبيلته وعاد إلى دياره.
  وحسب ذكر لي أحد المشرفين على دراستي للدكتوراه في جامعة كامبريدج المستر ايفانز عام 1980 م ان الإدارة الانتدابية اعتبرته مزعجا يسبب لها وجع الراس trouble maker   < حيث تربصت به ولقي حتفه اثناء عملية جراحية للزائدة الدودية أجريت له في مستشفى بعمان، وانه تم دفنه في جبل الجوفة ثم اختفى قبره، الا ان الأستاذ الدكتور سلطان أبو تايه يرى غير هذا الراي ويقول:
 (توفي عودة لدى عودته من زيارة للعراق ودمشق متأثرا بمرض غامض الم به اثناء وجوده في بغداد وتوفي في عمان ولا يعرف مكان قبره بشكل مؤكد) ونحن نرى انا أيا من الروايتين لا تستبعد المؤامرة على حياته ونراهما كل تتمم الأخرى والله اعلم.
وبذلك استطاعت الزوائد الدودية السياسية ان تستخدم الزائدة الدودية الجسدية لتضع حدا لأعظم فارس أردني عرفه التاريخ الحديث ولم يبلغ من العمر الا نصف قرت ونيف من الزمن، رحمه الله واسكنه فسيح جناته (انتهى البحث)



حواشي /
 الحواشي التالية زودني بها الأستاذ الدكتور سلطان أبو تايه شاكرا له تعاونه وقراءته للنص وملحوظاته الدقيقة، وتصحيح بعض الأسماء والتواريخ، والتي اخذت بها جميعا، وقد زودني بالنصوص الإنجليزية التالية الخاصة بالبحث رأيت نشرها كما هي لأهميتها:
(1) . For Howaitat, a significant change took place in the tribal structure by the end of the 19th century; when the Turks penetrated the southern parts of Transjordan after attacking Karak in 1894, Harb Abu Tayeh had his own tribal gathering which became the clan known as Abu Tayeh, after his death in 1904, he was succeeded by his son Rabi' as a chief of the clan, the latter died in 1907 and his brother 'Odeh became its chief (425). The navigation area of this group extended from Bayir in the north to Jabal Tubiq in the south. For the other clan of Howaitat known as Ibn Jazi, their area was from Wadi 'Araba in the west to Wadi Sirhan in the east, some of the clans of the Howaitat tribe continued in living a full nomadic life, these were mainly in the east of Transjordan and northeast of Hija
(2) الرجاء ملاحظة النص التالي المأخوذ من اوبنهايم والذي يتحدث عن علاقة هذه العشائر ببعضها وغيره h: A full explanation of such aspects is found in Oppenheim et. al. (1943), where the structure and life style of tribes were given for the regions of Iraq, Arabian Peninsula, Levant, Sinai, and Persia. For Transjordan, the plains in the east of this area take the shape of a triangle where its base is stretching from Aqaba to Jabal Tubaiq, while its other two sides are formed by the western highlands and Wadi es-Sirhan. Such plains were sufficient for providing pastoralizing areas for two big tribes during the Late Ottoman period; these were Sukhur (also known as Bani Sakhr) and Howaitat; the former had its summer camping grounds in Balqa and Houran, while the later was in al-Sharat (south western highlands). This was to change in the winter when Sukhur moved southwards so the Howaitat could navigate to the east. In the early Ottoman Period, the Sardiya and 'Amr tribes were occupying and navigating within these areas, while in the Mamluk Period, these were Bani Mahdi and Bani 'Oqba. The areas of Karak and Balqa were mainly settlement areas of small tribes who depended in their economy on pastoralism and cultivating crops (268).
According to Oppenheim et. al. (1943), the Sukhur tribe (which came originally from Hijaz), reached the eastern parts of Transjordan in the 17th century, after many conflicts with the Sardiyya and 'Adwan tribes in Balqa, they could control this area and reach Ajlun in the north (260). This situation was to continue till the 19th century when the Turks invaded Ajlun, the Sukhur then left the city and settled in Balqa, they could not resist the continuous invasions by the 'Anazah tribe, consequently they transformed to semi-nomadic life, while the 'Adwan tribe had a full sedentary life (263). By the end of the 19th century, they had the ownership of lands to the east of Balqa, which were cultivated by Palestinians (343).
  (2 ) For Howaitat, a significant change took place in the tribal structure by the end of the 19th century; when the Turks penetrated the southern parts of Transjordan after attacking Karak in 1894, Harb Abu Tayeh had his own tribal gathering which became the clan known as Abu Tayeh, after his death in 1904, he was succeeded by his son Rabi' as a chief of the clan, the latter died in 1907 and his brother 'Odeh became its chief (425). The navigation area of this group extended from Bayir in the north to Jabal Tubiq in the south. For the other clan of Howaitat known as Ibn Jazi, their area was from Wadi 'Araba in the west to Wadi Sirhan in the east, some of the clans of the Howaitat tribe continued in living a full nomadic life, these were mainly in the east of Transjordan and northeast of Hijaz
For Howaitat, a significant change took place in the tribal structure by the end of the 19th century; when the Turks penetrated the southern parts of Transjordan after attacking Karak in 1894, Harb Abu Tayeh had his own tribal gathering which became the clan known as Abu Tayeh, after his death in 1904, he was succeeded by his son Rabi' as a chief of the clan, the latter died in 1907 and his brother 'Odeh became its chief (425). The navigation area of this group extended from Bayir in the north to Jabal Tubiq in the south. For the other clan of Howaitat known as Ibn Jazi, their area was from Wadi 'Araba in the west to Wadi Sirhan in the east, some of the clans of the Howaitat tribe continued in living a full nomadic life, these were mainly in the east of Transjordan and northeast of Hijaz
(3) haikh As'ad was killed in the battle known as al-Tor between al-Sukhur and Howaitat

عن المدون الاستاذ مالك عبيدات

مدون عربي اهتم بكل ماهوة جديد في عالم التصميم وخاصة منصة بلوجر
»
السابق
عاجل ..بالصور احتراق سيارة مدير منطقة جرش
«
التالي
ستبقى الجزائر عصية عليكم ياساركوزي

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

.

المجتمع والناس