فرسان نيوز-
بقلم/هبه عبد العزيز من الدروس التى تعلمتها، أننى لم أخرج إلى هذا الوجود صحيفة بيضاء، كما كان يظن القدماء بل كثير من صفات أمى و أبى وأجدادى وما حدث لهم قد نقشت فى صحيفتى، سواء فى ذلك الصفات الجسمية أو العقلية أو الأخلاقية" كانت تلك الكلمات من فصل "إستفد من تجربتى" للكاتب الكبير /أحمد أمين. كنت أقرأ هذه الأسطر وأنا على متن الطائرة أثناء عودتى من رحلتى الأخيرة بجنوب شرق القارة الآسيوية، والتى شغلت فيها "مسألة الأقليات" الجزء الأكبر والأهم ،وكم كانت رحلة طويلة، إلا أنها كانت فرصة جيدة أيضا كمتسع من الوقت للتعمق فى القراءة، والتأمل بعض الشىء. ووجدتنى أتوقف للحظات عن القراءة ، وبدأت أفكر فى تلك الكلمات العميقة المغزى، وتذكرت عندما كنت حامل فى إبنتى، وكان المقربين لى وخاصة من النساء ينصحونى دائما بأن أستمع الى موسيقى هادئة، وأنظر إلى صور جميلة، وأحاول قدر المستطاع أن أحيط نفسى بالفرحة والبهحة ..... وما إلى ذلك من الأمور التى تجعلنى أشعر بالسعادة مما ينعكس فى النهاية على ما تحمله أحشائى، وكأن جنينى هو الآخر يشعر ويحس بكل ما أشعر وأحس به أنا، ويتأثر تكوينه تبعا لذلك!...... وعودت لأتابع القراءة فوجدت ا/أحمد أمين يضرب لنا مثلين كان لهما أثر سىء فى حياته: أحدهما وهو فى بطن أمه حيث إحترقت أخته التى لم يراها وقد كانت فى الثانية عشرة من عمرها ، ويروى كم حزنت الأم بالطبع على إبنتها وتألمت لفراقها ، وقضى هو أشهر يتغذى بدم أمه الحزين وتتكون أعصابه من أعصابها المحطمة ويسبح فى ماء الحزن والمعاناة داخل جسم الأم .....وتسأل لربما كان هذا الحادث سبب فى جعله إنسان يميل الى الحزن والبكاء أحيانا، وكذلك سماع الغناء الحزين وتفضيله المأساه على الملهاه فى حياته فيما بعد؟! لربما فعلا ... أو قد يكون ما حدث هو أحد الأسباب فى إحساسه الذى غلب عليه الحزن ولونه، وتكون التربية هى التى أسهمت فى تعميق هذا النوع من المشاعر السلبية بدل من أن تمحيها أو تعمل على إصلاح ما نتج عنها من أثار سيئة.... ولربما أيضا! ... كذلك ذكر أن الحادث الثانى تمثل فى أن أمه كانت تعانى من ضعف أو قصر فى النظر ، وقد ورث عنها ذلك ، الأمر الذى أثر أيضا على حياته كلها ، و أربكه فى مواقف كثيرة، وكان له أثر فى أخلاقه. المهم أن كاتنبا خرج فى النهاية بنتيجة فى غاية الأهمية ألا وهى: أن التربية عندنا فى الشرق كانت ولا تزال- وعلى ما أعتقد أنا أيضا - متروكة للمصادفة. وأنا أوفقه تماما فى ذلك من دون أدنى أشك ، فلو كانت (التربية التى نتلقاها صحيحة) لغلب عليها الإهتمام بدراسة شئون كل طفل وأسرته، لتتكتشف أسباب وجود أعراض معينة كالميل للحزن كما ذكر أستاذنا مثلا أو صفات آخرى كالعناد و غيرهما من الصفات التى يكون لها أثارها السلبية على مدى حياة الفرد وأيضا مجتمعه على حد سواء ، ومن ثم يتثنى وضع علاج صحيح لها بعد التشخيص السليم من الناحية النفسية ، وبالتالى تتم معالجة القصور الحادث، لننعم بالحياة بسعادة أكثر وراحة أكثر ، ففى حالة ا/أحمد أمين كان من الممكن مثلا لو تم التعامل مع الأمر بإستخدام وسائل مدروسة و محسوبة ومقصودة فى التربية... أن يتعلم منذ الصغر كيف يتذوق الفرح والبهجة كما الحزن. كذلك أيضا كان يمكن أن يتم معالجة أو الحد من مشكلة ضعف أو قصر النظر لو تم الإنتباه لها مبكرا منذ الصغر. فكم تستطيع التربية أن تصلح من فساد وتعالج من مرض، ولكن وللآسف الشديد معظم الأمور عندنا متروكة للظروف والطروف ، للمصادفة والحظ ، تتم معالجتها بطريقة الفهلوة وشغل التلت ورقات ....وينطبق ذلك على مستوى الأفراد وكذلك الحكومات والدول. ومازال لحديثنا بقية.....
ليست هناك تعليقات :